الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال ابن الأعرابي: الأرض الملساء لا نبات فيها ولا بناء.وحكى مكي أنه المكان المنكشف، وقيل: المستوى الصلب من الأرض، وقيل: مستنقع الماء وليس بمراد وجمعه أقوع وأقواع وقيعان، والصفصف الأرض المستوية الملساء كان أجزاءه صف واحد من كل جهة، وقيل: الأرض التي لا نبات فيها، وعن ابن عباس ومجاهد جعل القاع والصفصف بمعنى واحد وهو المستوى الذي لا نبات فيه.وانتصاب {قَاعًا} على الحالية من الضمير المنصوب وهو مفعول ثان ليذر على تضمين معنى التصيير.و{صَفْصَفًا} إما حال ثانية أو بدل من المفعول الثاني.{لاَّ ترى فِيهَا} أي في مقار الجبال أو في الأرض على ما فصل {عِوَجًا وَلا أَمْتًا} استئناف مبين كيفية ما سبق من القاع الصفصف أو حال أخرى أو صفة لقاع والرؤية بصرية والخطاب لكل من يتأتى منه.وعلقت بالعوج وهو بكسر العين ما لا يدرك بفتحها بل بالبصيرة لأن المراد به ما خفى من الاعوجاج حتى احتاج إثباته إلى المساحة الهندسية المدركة بالعقل فألحق بما هو عقلي صرف فأطلق عليه ذلك لذلك وهذا بخلاف العوج بفتح العين فإنه ما يدرك بفتحها كعوج الحائط والعود وبهذا فرق بينهما في الجمهرة وغيرها.واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما، وقال أبو عمرو: يقال لعدم الاستقامة المعنوية والحسية عوج بالكسر، وأما العوج بالفتح فمصدر عوج، وصح الواو فيه لأنه منقوص من اعوج.ولما صح في الفعل صح في المصدر أيضًا، والأمت التنو، والتنكير فيهما للتقليل.وعن ابن عباس عوجًا ميلًا ولا أمتًا أثرًا مثل الشراك وفي رواية أخرى عنه عوجًا واديا ولا أمتار أبية.وعن قتادة عوجًا صدعًا ولا أمتا أكمة، وقيل: الأمت الشقوق في الأرض.وقال الزجاج: هو أن يغلظ مكان ويدق مكان، وقيل: الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء والعوج في الأرض مختص بالعرض.وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة.{يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذا تنسف الجبال على إضافة يوم إلى وقت النسف من إضافة العام إلى الخاص فلا يلزم أن يكون للزمان ظرف وإن كان لا مانع عنه عند من عرفه بمتجدد يقدر به متجدد آخر.وقيل: هو من إضافة المسمى إلى الاسم كما قيل في شهر رمضان، وهو ظرف لقوله تعالى: {يَتَّبِعُونَ الداعى} وقيل: بدل من {يوم القيامة} [طه: 101].فالعامل فيه هو العامل فيه، وفيه الفصل الكثير وفوات ارتباط يتبعون بما قبله.وعليه فقوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ} [طه: 105].. إلخ. استطراد معترض وما بعده استئناف وضمير {يَتَّبِعُونَ} للناس.والمراد بالداعي داعي الله عز وجل إلى المحشر وهو إسرافيل عليه السلام يضع الصور في فيه ويدعون الناس عند النفخة الثانية قائمًا على صخرة بيت المقدس ويقول: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى العرض إلى الرحمن فيقبلون من كل صوت إلى صوته.وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: يحشر الله تعالى الناس يوم القيامة في ظلمة تطوى السماء وتتناثر النجوم ويذهب الشمس والقمر وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه فذلك قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعى}.. إلخ، وقال علي بن عيسى: {الداعي} هنا الرسول الذي كان يدعوهم إلى الله عز وجل والأول أصح.{لاَ عِوَجَ لَهُ} أي للداعي على معنى لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه، وهذا كما يقال: لا عصيان له أي لا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل، وقيل: أي لا عوج لدعائه فلا يميل إلى ناس دون ناس بل يسمع جميعهم وحكى ذلك عن أبي مسلم.وقيل: هو على القلب أي لا عوج لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف وحكى ذلك عن الجبائي وليس بشيء، والجملة في موضع الحال من الداعي أو مستأنفة كما قال أبو البقاء، وقيل: ضمير {لَهُ} للمصدر، والجملة في موضع الصفة له أي اتباعًا لا عوج له أي مستقيمًا، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره {وَخَشَعَتِ الاصوات للرحمن} أي خفيت لمهابته تعالى وشدة هول المطلع، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: سكنت والخشوع مجاز في ذلك، وقيل: لا مجاز والكلام على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات وليس بذاك {فَلاَ تَسْمَعُ} خطاب لكل من يصح منه السمع {إِلاَّ هَمْسًا} أي صوتًا خفيًا خافتًا كما قال أبو عبيدة.وعن مجاهد هو الكلام الخفي، ويؤيده قراءة أبي {فَلا يِنْطِقُونَ إِلاَّ هَمْسًا} وعن ابن عباس هو تحريك الشفاه بغير نطق، واستبعد بأن ذلك مما يرى لا مما يسمع، وفي رواية أخرى عنه أنه خفق الأقدام وروى ذلك عن عكرمة وابن جبير والحسن، واختاره الفراء والزجاج ومنه قول الشاعر: وذكر أنه يقال للأسد الهموس لخفاء وطئه فالمعنى سكنت أصواتهم وانقطعت كلماتهم فلم يسمع منهم إلا خفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر.{يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة وهو ظرف لقوله تعالى: {لاَّ تَنفَعُ الشفاعة} وجوز أن يكون بدلًا من {يوم القيامة} [طه: 101] أو من {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ} [طه: 108] والمراد لا تنفع الشفاعة من الشفعاء أحدًا {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ} في الشفاعة.{لَهُ الرحمن} فالاستثناء من أعم المفاعيل و{مِنْ} مفعول {تَنفَعُ} وهي عبارة عن المشفوع له و{لَهُ} متعلق بمقدر متعلق بإذن، وفي البحر أن اللام للتعليل وكذا في قوله تعالى: {وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا} أي ورضي لأجله قول الشافع وفي شأنه أو رضي قول الشافع لأجله وفي شأنه فالمراد بالقول على التقديرين قول الشافع، وجوز فيه أيضًا أن لا يكون للتعليل، والمعنى ورضي قولًا كائنًا له فالمراد بالقول قول المشفوع وهو على ما روي عن ابن عباس لا إله إلا الله، وحاصل المعنى عليه لا تنفع الشفاعة أحدًا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنًا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدًا إلا من ذكر وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} [المدثر: 48].وجوز في البحر والدر المصون أن لا يقدر مفعول لتنفع تنزيلًا له منزلة اللازم والاستثناء من شفاعة ومن في محل رفع على البدلية منها بتقدير مضاف أو في محل نصب على الاستثناء بتقديره أيضًا أي إلا شفاعة من أذن.. إلخ، ومن عبارة عن الشافع والاستثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعًا إذا لم يقدر شيء ومحل {مِنْ} حينئذٍ نصب على لغة الحجاز ورفع على لغة تميم، واعترض كون الاستثناء من الشفاعة على تقدير المضاف بأن حكم الشفاعة ممن لم يؤذن له أن يملكها ولا تصدر عنه أصلًا ومعنى {لا يُقْبَلُ مِنْهَا شفاعة} [البقرة: 48] لا يؤذن لها فيها لا أنها لا تقبل بعد وقوعها فالإخبار عنها بمجرد عدم نفعها للمشفوع له ربما يوهم إمكان صدورها حين لم يأذن له مع إخلاله بمقتضى مقام تهويل اليوم.{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}.الظاهر أن ضمير الجمع عائد على الخلق المحشورين وهم متبعو الداعي، وقيل: على الناس لا بقيد الحشر والاتباع، وقيل: على الملائكة عليهم السلام وهو خلاف الظاهر جدًا، والمراد من الموصولين على ما قيل ما تقدمهم من الأحوال وما بعدهم مما يستقبلونه أو بالعكس أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو بالعكس أو ما يدركونه وما لا يدر كونه وقد مر الكلام في ذلك.{وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} أي لا يحيط علمهم بمعلوماته تعالى فعلما تمييز محول عن الفاعل وضمير {بِهِ} لله تعالى والكلام على تقدير مضاف.وقيل: المراد لا يحيط علمهم بذاته سبحانه أي من حيث اتصافه بصفات الكمال التي من جملتها العلم الشامل، ويقتضي صحة أن يقال: علمت الله تعالى إذ المنفى العلم على طريق الإحاطة.وقال الجبائي: الضمير لمجموع الموصولين فإنهم لا يعلمون جميع ما ذكر ولا تفصيل ما علموا منه، وجوز أن يكون لأحد الموصولين لا على التعيين. اهـ.
|